فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان عمر رضي الله عنه يضرب الإماء على تغطيتهن رؤوسهن ويقول: لا تَشبَّهن بالحرائر.
وقال أصبغ: إن انكشف فخذها أعادت الصلاة في الوقت.
وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من الأمة عورة حتى ظفرها.
وهذا خارج عن أقوال الفقهاء؛ لإجماعهم على أن المرأة الحرة لها أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله، تباشر الأرض به.
فالأمة أولى، وأمُّ الولد أغلظ حالًا من الأمة.
والصبيُّ الصغير لا حرمة لعورته.
فإذا بلغت الجارية إلى حَدِّ تأخذها العين وتُشْتَهَى سترت عورتها.
وحجة أبي بكر بن عبد الرحمن قوله تعالى: {يا أيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59].
وحديث أم سلمة أنها سئلت: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يُغَيِّب ظهور قدميها.
وقد روُي مرفوعًا.
والذين أوقفوه على أمِّ سَلَمة أكثر وأحفظ؛ منهم مالك وابن إسحاق وغيرهما.
قال أبو داود: ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دِينار عن محمد بن زيد عن أمّه عن أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عمر: عبد الرحمن هذا ضعيف عندهم؛ إلا أنه قد خرّج البخاري بعض حديثه.
والإجماع في هذا الباب أقوى من الخبر.
الثانية قوله تعالى: {أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} يعني المطر الذي ينبت القطن والكتان، ويُقيم البهائم الذي منها الأصواف والأوبَار والأشعار؛ فهو مجاز مثل {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: 6] على ما يأتي.
وقيل: هذا الإنزال إنزال شيء من اللباس مع آدم وحوّاء، ليكون مثالًا لغيره.
وقال سعيد بن جبير: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ} أي خلقنا لكم؛ كقوله: {وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أي خلق.
على ما يأتي.
وقيل: ألهمناكم كيفية صنعته.
الثالثة قوله تعالى: {وَرِيشًا} قرأ أبو عبد الرحمن والحسن وعاصم من رواية المفضّل الضبيّ، وأبو عمرو من رواية الحسين بن علي الجُعْفِيّ {ورياشا}.
ولم يحكه أبو عبيدة إلا عن الحسن، ولم يفسر معناه.
وهو جمع ريشٍ.
وهو ما كان من المال واللباس.
وقال الفرّاء: رِيشٌ ورياش، كما يقال: لِبس ولِباس.
وريش الطائر ما ستره الله به.
وقيل: هو الخِصب ورفاهية العيش.
والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة.
وأنشد سيبويه:
فرِيشِي منكم وهَوايَ مَعْكم ** وإنْ كانت زيارتُكم لِمَاما

وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة: وهبتُ له دابّة بريشها أي بكسوتها وما عليها من اللباس.
الرابعة قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ} بين أن التقوى خير لباس؛ كما قال:
إذا المرءُ لم يلبسْ ثيابًا من التقى ** تقلّب عريانًا وإن كان كاسيًا

وخيرُ لباسِ المرء طاعةُ ربه ** ولا خيرَ فيمن كان لله عاصيًا

وروى قاسم بن مالك عن عوف عن مَعْبَد الجُهنِيّ قال: {لِبَاسُ التقوى} الحيَاء.
وقال ابن عباس: {لِبَاسُ التقوى} هو العمل الصالح.
وعنه أيضًا: السَّمْت الحسَن في الوجه.
وقيل: ما علّمه عز وجل وهدى به.
وقيل: {لِبَاسُ التقوى} لبس الصوف والخشن من الثياب، ممّا يُتواضع به لله تعالى ويتعبَّد له خيرٌ من غيره.
وقال زيد بن علي: {لِبَاسُ التقوى} الدّرع والمِغْفَر؛ والساعدان، والساقان، يُتْقى بهما في الحرب.
وقال عروة بن الزبير: هو الخشية لله.
وقيل: هو استشعار تقوى الله تعالى فيما أمر به ونهى عنه.
قلت: وهو الصحيح، وإليه يرجع قول ابن عباس وعروة.
وقول زيد بن عليّ حَسَنٌ، فإنه حَضّ على الجهاد.
وقال ابن زيد: هو ستر العورة.
وهذا فيه تكرار؛ إذ قال أولًا: {قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ}.
ومن قال: إنه لبس الخشن من الثياب فإنه أقرب إلى التواضع وترك الرعونات فدَعْوَى؛ فقد كان الفضلاء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى، على ما يأتي مبينًا إن شاء الله تعالى.
وقرأ أهل المدينة والكسائيّ {لِبَاسَ} بالنصب عطفًا على {لِبَاسًا} الأول.
وقيل: انتصب بفعل مضمر؛ أي وأنزلنا لباس التقوى.
والباقون بالرفع على الابتداء.
و{ذَلِكَ} نعته و{خَيْرٌ} خبر الابتداء.
والمعنى: ولباس التقوى المشار إليه، الذي علمتموه، خير لكم من لبس الثياب التي تُوارِي سوءاتكم، ومن الرّياش الذي أنزلنا إليكم؛ فالبسوه.
وقيل: ارتفع بإضمار هو؛ أي وهو لباس التقوى؛ أي هو ستر العورة.
وعليه يخرج قول ابن زيد.
وقيل: المعنى ولباس التقوى هو خير؛ ف {ذلك} بمعنى هو.
والإعراب الأوّل أحسنُ ما قيل فيه.
وقرأ الأعمش {ولباسُ التقوى خيرٌ} ولم يقرأ {ذَلِكَ}.
وهو خلاف المصحف.
{ذلك مِنْ آيَاتِ الله} أي مما يدل على أن له خالقًا.
و{ذلك} رفع على الصفة، أو على البدل، أو عطف بيان. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم}
اعلم أن الله عز وجل لما أمر آدم وحواء بالهبوط إلى الأرض وجعلها مستقرًا لهم أنزل عليهم كل ما يحتاجون إليه من مصالح الدين والدنيا فكان مما أنزل عليهم اللباس الذي يحتاج إليه في الدين والدنيا فأما منفعته في الدين فإنه يستر العورة وسترها شرط في صحة الصلاة وأما منفعته في الدنيا فإنه يمنع الحر والبرد فامتنّ الله على عباده بأن أنزل عليهم لباسًا يواري سوءاتهم فقال تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم} يعني لباسًا تسترون به عوراتكم.
فإن قلت ما معنى قوله قد أنزلنا عليكم لباسًا.
قلت ذكر العلماء فيه وجوهًا أحدهما: أنه بمعنى خلق أي خلقنا لكم لباسًا أو بمعنى رزقناكم لباسًا.
الوجه الثاني: أن الله تعالى أنزل المطر من السماء وهو سبب نبات اللباس فكأنه أنزله عليهم.
الوجه الثالث: أن جميع بركات الأرض تنسب إلى السماء وإلى الإنزال كما قال تعالى: {وأنزلنا الحديد} {وريشًا} الريش للطائر معروف وهو لباسه وزينته كالثياب للإنسان فاستعير للإنسان لأنه لباسه وزينته والمعنى وأنزلنا عليكم لباسين لباسًا يواري سوءاتكم ولباسًا لزينتكم لأن التزيين غرض صحيح كما قال تعالى: {لتركبوها وزينة} وقال: {ولكم فيها جمال} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله جميل يحب الجمال» واختلفوا في معنى الريش المذكور في الآية فقال ابن عباس رضي الله عنهما وريشًا يعني مالًا، وهو قول مجاهد والضحاك والسدي لأن المال مما يتزين به، ويقال: تريش الرجل إذا تمّول.
وقال ابن زيد: الريش الجمال وهو يرجع إلى الزينة أيضًا، وقيل: إن الرياش في كلام العرب الأثاث وما ظهر من الثياب والمتاع مما يبلس أو يفرش والريش أيضًا المتاع والأموال عندهم وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال يقال إنه لحسن الريش أو لحسن الثياب وقيل الريش والرياش يستعمل أيضًا في الخصب ورفاهية العيش {ولباس التقوى} اختلف العلماء في معناه فمنهم من حمله على نفس الملبوس وحقيقته، ومنهم من حمله على المجاز أما من حمله على نفس الملبوس فاختلفوا أيضًا في معناه، فقال ابن الأنباري: لباس التقوى هو اللباس الأول وإنما أعاده إخبارًا أنّ ستر العورة من التقوى وذلك خير.
وقيل: إنما أعاده لأجل أن يخبر عنه بأنه خير لأن العرب في الجاهلية كانوا يتعبدون بالتعري وخلع الثياب في الطواب بالبيت فأخبر أن ستر العورة في الطواف هو لباس التقوى وذلك خير.
وقال زيد بن علي رحمه الله تعالى: لباس التقوى آلآت الحرب التي يتقى بها في الحروب كالدروع والمغفر ونحو ذلك.
وقيل لباس التقوى هو الصوف والخشن من الثياب التي يبلسها أهل الزهد والورع.
وقيل: هو ستر العورة في الصلاة وأما من حمل لباس التقوى على المجاز فاختلفوا في معناه.
فقال قتادة والسدي: لباس التقوى هو الإيمان لأن صاحبه يتقي به من النار، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لباس التقوى هو العمل الصالح، وقال الحسن رضي الله عنه: هو الحياء لأنه يحث على التقوى.
وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لباس التقوى هو السمت الحسن، وقال عروة بن الزبير رضي الله عنه: لباس التقوى خشية الله، وقال الكلبي: هو العفاف فعلى هذه الأقوال: إن بلاس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به مما خلق الله له من لباس التجمل وزينة الدنيا وهو قوله تعالى: {ذلك خير} يعني لباس التقوى خير من لباس الجمال والزينة وأنشدوا في المعنى:
إذا أنت لم تلبس ثيابًا من التقى ** عريت وإن وارى القميصَ قميصُ

وقوله تعالى: {ذلك من آيات الله} يعني أنزل اللباس عليكم يا بني آدم من آيات الله الدالة على معرفته وتوحيده {لعلهم يذكرون} يعني لعلهم يذكرون نعمته عليهم فيشكرونها. اهـ.